الكورونا واقتصاد دول الخليج العربية (7)

سلسلة الكورونا واقتصاد دول الخليج العربية (7)

الدولة والمواطن والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار

 

بما اننا تحدثنا عن إيرادات النفط في المقال السابق، فما من مفر من الحديث عن الدولة، فهي الجهة التي تُحصِّل إيرادات النفط بصفتها من يمثل الإرادة العامة ومن يمتلك حق التصرف بالملك العام. وفي حالة دول مجلس التعاون، فإن جزء رئيسي من الخلل في استعمال إيرادات النفط والمتمثل في تحويلها من ملك عام الى انفاقات تعطى لجهات خاصة، يعود في أصله للخلط بين الملك العام والخاص داخل أروقة مؤسسات الدولة وعند متخذي القرار. فالخط الفاصل بين “الحاكم” و”الدولة” ضبابي، بحيث أصبح الحاكم هو وجه الدولة، أي ممثل الملك العام، في ذات الوقت الذي يمثل شخصه كفرد خاص وكذلك كونه رأس العائلة الحاكمة. وكان لهذا الخلط بين الخاص والعام تبعات كبيرة على تقسيم الريع النفطي.

لقد كانت إيرادات النفط الأداة التي مولت إعادة إنتاج الدولة واستمراريتها مالياً، عبر سماحها باستقلالية الحاكم وجهازه البيروقراطي عن باقي المجتمع مادياً، بحيث لم يعد هناك داع لفرض الضرائب. لكن هذا فرض بالمقابل على أجهزة الدولة الاعتماد على العالم الخارجي ليواصل ضخها بإيرادات النفط، حتى تضمن الدولة الأموال المطلوبة لإعادة إنتاج نفسها. وهكذا كان لطريقة تقسيم إيرادات النفط دور محوري في صنع نوع الحكم، حيث خصص جزء كبير من إيرادات النفط كمخصصات للحاكم وعائلته. بالإضافة إلى ذلك، تحكم أعضاء العائلة الحاكمة في الموارد الاقتصادية الأساسية الأخرى في البلد، خصوصاً الأراضي، التي أصبحت وسيلة للنفوذ والثراء. وكان هذا أساس الخلل الأول فى في استعمال إيرادات النفط، حين خصص جزء منها كملك خاص للحاكم وعائلته، بالإضافة إلى المميزات التي أعطيت لهم من الإعفاءات من رسوم الكهرباء والماء والجمارك، والتي أسست لسابقة تم تطبيقها فيما بعد على باقي أفراد الشعب، كل حسب مكانته، بحيث عمم هذا النمط على باقي المجتمع، الذي أصبح شريكاً فيه. وتحول النفط الذي كان من المفترض ان يكون ملكاً عاماً بالكامل، الى كعكة يطالب الكل بنصيبه الخاص منها حسب قربه من دائرة اتخاذ القرار.

وهذا يقودنا إلى أهم مبدأ على الدولة الالتزام به، والذي قد يكون أهم مطلب تقدمه هذه الدراسة، وهو ليس بالمطلب الجديد، بل أعتقد أنني قد اختتمت كل دراسة كتبتها حتى الآن بنفس المطلب: المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. وهذا مبدأ يفترض تطبيقه من الناحيتين الأخلاقية والحقوقية، بالإضافة إلى أهميته في ضمان إعادة تجديد الدولة بشكل مستدام. فمن ناحية الحقوق، أظنه بات واضحاً لغالبية البشر في العالم، بما فيهم شعوب دول مجلس التعاون، بأن للإنسان الحق في أن يلعب دوراً سياسياً فاعلاً في تقرير مصيره ومصير مجتمعه، ولا سبيل أفضل لذلك من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. وإذا تطرقنا لنواحي الكفاءة والاستدامة، فمشاركة الناس في اتخاذ القرار هي أفضل طريقة للرفع من حظوظ اتخاذ الخيارات المناسبة، وإصلاح الحال وتقليل الضرر والصدامات فيما بين فئات المجتمع في حالة الأزمات عبر الانتقال السلمي للسلطة، وإن كانت هذه العملية لا تضمن ذلك كلياً. فالاعتماد على مؤسسات مستدامة تمثل أكبر فئة ممكنة من الشعب لاتخاذ القرارات المصيرية التي ستحدد حياة هذا الشعب ومستقبله، هي ممارسة أكثر عقلانية وأقل خطراً من جعل هذه القرارات مرتهنة لمجموعة صغيرة، تكون مصلحتها الشخصية هي محط تركيزها الأساس، ويغلب عليها الاعتماد على القرارات الفردية التي تخضع لأهواء بضعة اشخاص.

ان هذا الإصلاح السياسي هو المفتاح لبقية الإصلاحات المقترحة، فمن دونه يبقى الإصلاح الاقتصادي رهين أهواء مجموعة صغيرة من متخذي القرار لهم مصالحهم الخاصة، بل يعتبرون هم من اسباب المشاكل الاقتصادية، وليس من الحكمة الاعتماد على  المشكلة لمعالجة نفسها. ولذلك، فمن الضروري أن يبدأ أي إصلاح من أعلى الهرم قبل قاعدته، وإلا فلن يكون للإصلاح أي جدية أو فاعلية حقيقية، إذ سترى الناس أن الإصلاح قد جانب الخلل الرئيسي وركز على فئات من المجتمع دون أخرى. ولذلك، فإن التحول التدريجي من نظام الحكم المطلق المُحَدَث الحالي، والذي يعتبر فريداً من نوعه ليس على مستوى العالم في عصرنا فحسب، بل وحتى في تاريخ منطقة الخليج، إلى نظام سياسي يرتكز على الديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، هو أهم خطوة إصلاحية تحتاجها دول الخليج.

وجزء رئيسي من هذا الانتقال الديمقراطي مرتبط بانتهاء العطايا والتوزيعات من الإيرادات العامة (التي هي في الأصل إيرادات النفط) على المتنفذين، وأن يتم إعلان الميزانية العامة بكل شفافية مع تدقيقها من قبل هيئة مستقلة. فإن كان مطلوباً من بقية فئات المجتمع أن تقلل إدمانها على إيرادات النفط، فمن المفروض أن تكون أول فئة مجتمعية تقود السير في هذا الطريق، هي الفئة التي استفادت منها بأكبر درجة والمتحكمة في اتخاذ القرار. فالعطايا والمميزات المادية والاجتماعية التي حصل عليها المتنفذين على مدى نصف القرن الماضي، كافية لتمتعهم بقاعدة صلبة تعطيهم القدرة على الانخراط في الاقتصاد والمجتمع دون مواصلة الاعتمادية السابقة عليها في المستقبل، حالهم في ذلك كحال بقية الناس.

ولذلك عند معالجة التعامل مع إيرادات النفط، من المفترض أن تعاد هيكلة الإنفاقات العامة بالتدرج لنصل إلى المرحلة التي تعامل فيها إيرادات النفط أساساً كرأس مال منتج، موجه للمشاريع الربحية العامة، بدلاً من الإنفاق الجاري. بل ومن المفترض مع مرور الوقت أن يتم تقليص إنفاق إيرادات النفط حتى على المشاريع الإنشائية الحكومية، التي يجب تمويلها هي والإنفاق الجاري من قدرات المجتمع الإنتاجية الداخلية، وذلك يتم بالأساس عبر الضرائب، كما هو الحال في غالبية دول العالم. وبالتزامن مع ذلك، يجب اخضاع إنتاج النفط لما يتناسب اساساً مع احتياجات الاقتصاد المحلي من النقد للاستثمار في المشاريع العامة الإنتاجية إضافة إلى احتياجات استهلاك النفط والطاقة في الاقتصاد المحلي، بدلاً مما هو معمول به حالياً، حيث يوجه إنتاج النفط أساساً لتلبية طلب الاقتصاد العالمي عليه إضافة لطلب الاقتصاد المحلي على إيراداته لتمويل إنفاق الدولة الجاري. وقد سمى الدكتور علي الكواري هذه الاستراتيجية باخضاع النفط لمتطلبات التنمية، حيث يتم تطبيق مبدأ أن تكون إيرادات النفط قادرة على التجديد وإعادة الإنتاج والتكاثر، أي أن تعامل كرأسمال عام مهيأ للإنتاج.

ماذا عن تمويل إنفاق الدولة الجاري والرأسمالي العام؟ من المفترض ان يكون المبدأ العام قائم على ضمان الاستمرارية والقدرة على إعادة التجديد بشكل متواصل وذاتي. ولذلك يجب الوصول إلى مرحلة الاعتماد على موارد الاقتصاد الداخلي لضمان استمرارية الدولة، ويعني هذا أنه لا مفر من فرض الضرائب والرسوم لكي تتخلى الدولة عن الاعتمادية على إيرادات النفط الناضب. وبظني فإن أي قراءة متأنية وموضوعية لهيكلية الاقتصاد المحلي ستبين أن الضرائب يجب أن تبدأ بلا شك على أرباح الشركات والعقار، وخصوصاً الشركات الضخمة منها غير الموجهة نحو الصادرات. وهذا الاستنتاج نصل إليه سواء من ناحية القدرة على توفير الدخل أو الكفاءة أو العدالة. فمن ناحية العدالة، فمن الواضح أن أغنى طبقة في المجتمع والأكثر استفادة من الطفرة النفطية وخدمات الدولة هي من يجب أن تساهم بالنسبة الأكبر في تمويل مصروفات الدولة. أما من ناحية القدرة على التمويل والكفاءة، فكما بينا في مقال سابق، فإن الغالبية الساحقة من اجمالي الناتج المحلي غير النفطي في هذه الدول يذهب لرأس المال والعقار، بحيث يحصل على حوالي ضعفي ما تجنيه قوة العمل، وهذا يتناقض مع الحال في الدول الصناعية الكبرى. إذن، من البديهي إن كان عليك أن تُحَصِل مبلغاً من المال من المجتمع، أن تتوجه إلى ذلك القسم من المجتمع الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من الفائض الإنتاجي في المجتمع، وهم ملاك رؤوس الأموال والعقار كما وضحنا بشكل جلي. 

وستكون النتائج العكسية على الإنتاج من ناحية الكفاءة من فرض هذه الضرائب محدودة نسبياً، بل وقد تكون الضرائب مفيدة وتزيد من الكفاءة في نواحي أخرى، خصوصاً وأن غالبية إنتاج الشركات الخاصة في الخليج موجه نحو الاستهلاك المحلي النهم والمعتمد على الواردات. وبذلك تكون الفائدة الكلية أعظم من اي نتائج العكسية لهذا النوع من الضرائب. فليس هناك خطر من هروب الشركات خارج السوق، ذلك لأنها تعتمد على السوق المحلي كلياً، بل ومن الممكن إعطاء تخفيضات في الضرائب والرسوم للشركات الموجهة نحو التصدير، وبذلك يتم خلق الحوافز للتصدير وتقليص الاستهلاك المحلي والاستيراد المتضخم. وفي حالة العقار، فإن التبعات والتشوهات التي قد تطرأ من زيادة الضرائب على ايراداته تعتبر محدودة جداً، خصوصاً وأن العقار لا يعتبر قطاع منتج بل يعتمد اساساً على امتصاص الريع. وبذلك فإن الضرائب تعتبر طريقة لإعادة توزيع الريع من أصحاب العقار الى بقية المجتمع. ولا توجد دولة صناعية واحدة في العالم حالياً سوى دول الخليج (فيما عدى عمان) لا تقوم بفرض ضرائب على أرباح الشركات. لأكرر ذلك: عدد الدول ذات الدخل المرتفع التي لا تفرض الضرائب على أرباح الشركات هو صفر. فتفرض سنغافورة (17.0%) وهونج كونج (16.5%) وأمريكا (38.9%) والاتحاد الأوروبي (18.9%) والصين (25%) واليابان (32.1%) وكل دول العالم تفرض الضرائب على الشركات التي تنشط في سوقها المحلي، فيما عدى بعض الدول الصغيرة جداً والتي تعمل أساساً كمراكز لغسيل الأموال، وملاذات ضريبية يُهَرِب إليها أثرياء العالم أموالهم.

جدول: دول العالم التي لا تفرض ضرائب على أرباح الشركات الناشطة في سوقها المحلي، وعدد سكانها بالآلاف (فيما عدى دول مجلس التعاون)

 هل يعني هذا أن تخطيط الدولة والإدارة العامة ليس لها أي دور في المجتمع؟ بالطبع لا، وإلا لما تواجد هذا التخطيط منذ البداية. فلا يمكن للكثير من أمور الشأن العام أن تدار دون التخطيط المركزي، والذي يأخذ في عصرنا الحالي بالأساس شكل التخطيط الدولتي. وحري بنا أن نتذكر هذا المبدأ عند تحديد الدور الذي من المفروض أن يلعبه التخطيط الدولتي في شؤون الاقتصاد، بحيث يركز هذا التخطيط اهتمامه على الشأن العام، أي الأمور التي تمس الناس في المجتمع بشكل مشترك والتي يحق لهم المشاركة في تحديد مصيرها.

وعلى الرغم من ان الدولة ستبقى في كل الأحوال هي الجهة الأكثر فاعلية وقدرة على التأثير في دول مجلس التعاون، فانه من المهم علينا في ذات الوقت أن نعي أن قواها ومدى تأثيرها هي محدودة أيضاً، وأنه ليس من استطاعتها تغيير كل شيء على وجه الأرض. وقد يكون أول ما علينا أن نعيه من وجهة نظر مؤسسات وخطط الدولة هو أن رسم وتطبيق التصورات والرؤى والمخططات الكبرى التي تسعى لإعادة رسم وهيكلة المجتمع كلياً، دون إعطاء الناس أي دور يذكر في وضعها وتطبيقها، هي استراتيجية قد ولى زمنها. فلا يوجد من المخططين من هو إله يعلم الغيب علم اليقين عن تبعات رسوماته وخططه على المجتمع. كما أنه ليس من الأخلاقي ان يكون لأحد القدرة على التحكم في حياة الناس ورسمها من الألف إلى الياء.

يأتي السؤال الآن: ما هي المشاريع العامة الإنتاجية التي يجب أن توجه إيرادات النفط نحوها؟ من الصعب تحليل هذه المشاريع بالتفصيل هنا، إذ أنه يجب أن تبنى على دراسات جدوى متخصصة ومتعمقة في هذا المجال، لكن سيكون من مهمتها على اقل تقدير التركيز على العوامل ذات الشأن العام والتي تعتبر مصيرية للحياة في دول مجلس التعاون، بحيث لا يتم تركها لفرد ما أو لأهواء رؤوس الأموال الخاصة، بل يجب أن تصبح في صلب مهام وأولويات الدولة.  فبالإضافة الى حماية البيئة وتوفير خدمات الرعاية الاجتماعية للإنسان، فإن أدنى المقبول هو الاستثمار في القطاعات الحيوية الاستراتيجية الضرورية للحياة في دول المجلس، والتي تشمل توفير الماء والطاقة وصناعة النفط. فليس فقط من المعيب، بل من الخطورة أن منطقة تعتمد على التحلية لتزويدها بالماء وتستهلك الطاقة بكثافة عالية، لا تعرف حتى الآن بناء مصنع تحلية أو مصنع إنتاج كهرباء واحد، ولا صناعة المعدات والآلات الضرورية لاستخراج النفط، ولا زالت تعتمد كلياً على تكنولوجيا وشركات غير وطنية لتزويدها بذلك، على الرغم من مضي أكثر من ستين عاماً. أما غير ذلك، فيجب رسم وإيجاد آليات ممأسسة ومحايدة ويكون للشعب رقابة عليها لاختيار المشاريع العامة المُستَثمرِ فيها، على أن تمتاز بكونها مشاريع ربحية إنتاجية ذات ملك عام. ولا بأس أن تعتمد هذه المشاريع على المساعدة لفترة معينة حتى تصل لمرحلة القدرة لوحدها على البقاء وجني الأرباح ومراكمتها، بل أن تصل لمرحلة التوجه نحو التصدير والمنافسة مع بقية العالم.

وإذا ما وجهنا ناظرنا إلى التحول المقترح من ناحية المواطنين، فمما لا شك فيه أن القضية الكبرى من ناحية الإنتاج هي رفع الإنتاجية والكفاءة والخبرات الإنتاجية لدى المواطنين، والذين وللأسف الشديد قد تم إخراج الكثير منهم خارج العملية الإنتاجية. وللوصول لهذا المبتغى، لا من مفر من تشديد ربط الدخل بالإنتاج، بحيث يصبح على أي فرد في قوة العمل، أكان في القطاع العام أو الخاص، أن يرتبط دخله بالإنتاج، بحيث يتم تدريجياً إنهاء معاملة إيرادات النفط كعطايا خاصة توزع من قبل الدولة على الفرد بناء على قربه من الدولة، في ظاهرة “يمشون لي راتب”. وبذلك يتم تحفيز انخراط المواطنين في عملية الإنتاج بكل أنواعه وفي كل القطاعات، خصوصاً وأن الطريقة الوحيدة لكسب المعرفة والمهارة هي عبر الممارسة (Learning by doing).

وهذا التغيير لا يعني أن يفقد الإنسان حقوقه الأساسية من صحة وتعليم وسكن، بل تبقى المسؤولية الكلية على المجتمع في توفيرها لكل أفراده وخصوصاً الأكثر حاجة منهم. ولكن في المقابل يبقى معيار أن دخل كل مقتدر في المجتمع يجب أن يرتبط نسبياً بالإنتاج. وقد يكون النموذج الإسكندنافي في السويد والنرويج مثالاً يحتذى به، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات، إذ أن العقلية السائدة في الاقتصاديات هناك هو الإنتاج التساندي (productive solidarity)، بحيث يكون على كل فرد مقتدر في المجتمع واجب الانخراط في العملية الانتاجية، ومن ثم يقوم المجتمع ككل بتوزيع الفائض الإنتاجي فيه ليوفر لكل أفراده مقومات الحياة الأساسية التي يحتاجها أي إنسان لينهض، مع الاعتراف بأهمية المنافسة في الإنتاج والسلع في خضم النظام الرأسمالي العالمي الحالي.

وقد يكون هذا التغيير صعباً في البداية، ولكن لو بدأ الإصلاح الاقتصادي برأس الهرم، وبات جلي للعامة أن هذه الطبقة لم تعد تستفيد من إيرادات النفط بشكل خاص، وأن الشعب بدأ بالمشاركة في اتخاذ القرار، وأن الشركات الخاصة العائلية قد تم تطبيق القوانين عليها ورفعت حقوق العمال فيها، فلا أظن أن الناس سيرفضون هذا التغيير، بل إن الكثير من الشابات والشباب يتطلعون إلى العمل المجزي المنتج الذي يحفظ حقوقهم ويمكنهم من استثمار طاقاتهم بشكل منتج فيما يحبوه، بدلاً من أن تضيع مهاراتهم وجهودهم بعد التعليم هباء في أعمال وهمية دون أي إنتاج مرتبط بها. وجزء رئيسي من مشاركة المواطنين الفاعلة في اتخاذ القرار يرتبط أيضاً بالإنتاج وليس بالمؤسسات السياسية فقط، بحيث يتم تفعيل حق التنظيم العمالي الجماعي عبر النقابات والتجمعات في مواقع الإنتاج. وقد يتم اشراك المواطنين في قرارات الإنتاج كمثال عبر اللجان المشتركة التي تجمع العمال وملاك رؤوس الأموال في بعض الدول الإسكندنافية، والتي تتشارك في اتخاذ القرارات الإنتاجية. كما أنها تخطط وتعمل من أجل توفير التدريب والدورات المناسبة لتأهيل قوة العمل لاحتياجات الإنتاج، وإعطائها المهارات والخبرة المطلوبة عبر الانخراط في العمل مباشرة.

وإذا ما توفرت المشاركة في اتخاذ القرار السياسي والإنتاجي، وتم ضمان الحقوق لقوة العمل في عملية الإنتاج، فعندها ستكون الحجة قد أقيمت على المواطنين في تقرير مصيرهم، فلن يمكن بعدها التعذر بأن لا يد لهم في القرار، وأنهم مسيرون كلياً إما من الدولة أو ملاك رؤوس الأموال، وسيكون جزء كبير من مستقبل البلاد الإنتاجي والاقتصادي والسياسي في يدهم، وبذلك يتحملون تبعات خياراتهم.


تحميل الملف بصيغة PDF